مقدمة
انطلقت الدورة الوطنية للتكوين حول التعليم الصريح لفائدة أساتذة مدارس الريادة خلال موسم 2025/2026 في بداية شهر أكتوبر 2025، وهي دورة مكثفة تهدف إلى تعزيز جودة التعلمات داخل الفصول وتنمية كفايات المعلمين في هذا المجال. يتناول اليوم الأول المحور الأول من البرنامج العام، وهو تقديم مفهوم التدريس الصريح وأهدافه وأسسه العلمية قبل الانتقال في الأيام اللاحقة إلى تطبيقاته في الرياضيات واللغة العربية واللغة الفرنسية.
البرنامج العام للدورة
يبين الجدول الآتي محاور الدورة حسب الأيام الثلاثة الأولى:
| اليوم | المحور الرئيسي |
|---|---|
| اليوم الأول | التدريس الصريح |
| اليوم الثاني | التدريس الصريح في الرياضيات |
| اليوم الثالث | التدريس الصريح في اللغة العربية |
| اليوم الرابع | التدريس الصريح في اللغة الفرنسية |
| اليوم الخامس | الممارسات المرجعية |
ميثاق الدورة التكوينية للأساتذة
في بداية التكوين عرض الفريق المؤطر ميثاقاً يحدد قواعد العمل والسلوكيات المنتظرة خلال الدورة. أهم عناصر هذا الميثاق:
-
الالتزام بالوقت: الدورة مكثفة، لذا يُطلب من المشاركين الالتزام بالبرمجة الزمنية المعلنة لضمان بداية ونهاية الورشات في الأوقات المحددة.
-
إطفاء الهواتف: ينبغي ضبط الهواتف على الوضع الصامت وعدم إجراء مكالمات داخل قاعة التكوين.
-
التجربة الذاتية: يُشجع المشاركون على استحضار ممارساتهم الصفية واستغلال تجاربهم السابقة لطرح أسئلة حول كيفية تطبيق ما يتم تعلمه.
-
التركيز التام: بسبب كثافة المستجدات، يُعد التركيز الكامل مدخلاً أساسياً لتحقيق الأثر المنشود.
-
طرح الأسئلة: الكثير من المفاهيم جديدة؛ لذا لا بد من طرح الأسئلة على فريق التكوين عند الحاجة.
-
المشاركة النشطة: يقوم التكوين على ورشات تفاعلية تطبيقية، ويُنتظر من المشاركين التعامل معها بجدية وتطبيق ما يتم تعلمه على وضعيات مهنية فعلية.
أهداف اليوم الأول وبرنامج الورشة
خُصِّص اليوم الأول لتقديم المشاركين وتشخيص انتظاراتهم، ووضع إطار عام للتكوين. تتضمن هذه المرحلة:
-
تقديم المشاركين: يُطلب من كل مشارك تقديم نفسه (الاسم الكامل، مقر العمل، انتظاراته من الورشة) في مدة لا تتجاوز عشر دقائق.
-
أهداف عامة للدورة: تهدف الدورة إلى فهم الشروط الأساسية لتدبير ناجع للممارسات الصفية، وتملك مبادئ تدبير التعلمات وفق موجهات التعليم الصريح، وتوحيد الفهم حول مبادئه.
-
تكوين مجموعات العمل: يتوزع المشاركون على أربع مجموعات، تتكفل كل مجموعة بمحور من محاور الدورة: المجموعة الأولى تشتغل على المحور الأول (مع الأخذ بعين الاعتبار المحور الخامس كموضوع مستعرض)، المجموعة الثانية على المحور الثاني (الرياضيات)، المجموعة الثالثة على المحور الثالث (اللغة العربية)، والمجموعة الرابعة على المحور الرابع (اللغة الفرنسية).
-
برنامج اليوم الأول: شمل البرنامج عصفاً ذهنياً حول معنى التدريس الصريح، ثم عرضاً حول مفهوم التعليم الصريح وسياقه ومبادئه الأساسية، يلي ذلك مبادئ إعداد المنهاج للتعليم الصريح وهيكلة الدرس وفق هذا النهج. تضمن الجزء الثاني من اليوم تقديم عدة التعليم الصريح للرياضيات ومناقشة أمثلة تطبيقية. اختُتم اليوم بعصف ذهني لتجميع الكلمات المفتاحية حول التعليم الصريح.
أساسيات التعليم الصريح
التعريف والسياق
التعليم الصريح هو مقاربة بيداغوجية تقوم على التعليم المباشر المهيكل الذي يتدرج خطوة بخطوة. يظهر السياق الذي يستدعي اعتماد هذه المقاربة في ضعف تحكم عدد كبير من تلاميذ التعليم الابتدائي في المقررات؛ فمعطيات تقييمات PNEA (2019) تشير إلى أن نحو 30 % فقط من تلاميذ التعليم العمومي يسيطرون على المقرر الدراسي عند استكمال الابتدائي. يهدف التعليم الصريح إلى الوقاية من تراكم التعثرات عبر التتبع الدائم لدرجة تمكن المتعلمين، مع توفير برامج دعم مكثفة عند الحاجة.
مصادر البحث حول التعليم الصريح
تم تقديم مجموعة من المصادر العلمية التي يستند إليها التعليم الصريح، منها أبحاث العلوم المعرفية ونظرية الحمولة المعرفية التي تبرز محدودية الذاكرة العاملة، وأبحاث حول تدرج التعلم من البسيط إلى المعقد، والحاجة إلى التدريب المستمر للوصول إلى الإتقان، وأهمية هيكلة المنهاج بشكل دقيق وتنظيم سيناريوهات التدريس بشكل صريح. كما أشارت العروض إلى أبحاث حول التعليم المباشر Direct Instruction وأبحاث قياس الأثر التي أثبتت نجاعة هذه المقاربة.
مبادئ التعليم الصريح
استعرض الفريق المؤطر اثني عشر مبدأً مستمدة من الأبحاث تحدد خصائص التعليم الصريح. يمكن تلخيص هذه المبادئ كما يلي:
-
التحكم في الحمولة المعرفية: تقسيم المحتوى الجديد إلى أجزاء صغيرة يسهل استيعابها وتقديمها بطريقة متدرجة، وتجنب تقديم مفاهيم متعددة دفعة واحدة.
-
التدرج: برمجة المحتويات والأهداف بشكل متدرج على مدار السنة والتأكد من تمكن المتعلمين من التعلمات السابقة قبل الانتقال إلى تعلمات أكثر تعقيداً.
-
ملاءمة الأهداف والمحتويات والتقويم: تحديد أهداف كل حصة وتصريحها بوضوح، واختيار مهمات تعليمية متجانسة مع الأهداف، واستعمال تقويم منسجم معها.
-
الوضوح وتجنب الغموض: التصريح بأهداف الحصة بلغة بسيطة مفهومة، وشرح المحتويات الجديدة بوضوح مع التحقق المستمر من فهم المتعلمين.
-
الهيكلة والتنظيم: بدء الحصة بأنشطة اعتيادية تنشط المتعلمين، ثم مراجعة المستلزمات الأساسية قبل تقديم المحتويات الجديدة بشكل منظم، مع منح فرص للتمرن والتغذية الراجعة واختتام الحصة بحصيلة لأهدافها.
-
التصريح بمنطق التفكير والاستدلال: تشجيع المدرس على التفكير بصوت عالٍ، وطلب تفسير المتعلمين لكيفية توصلهم إلى الإجابة بهدف الكشف عن طرق تفكيرهم وتصحيحها.
-
إيقاع دينامي وتفاعل قوي: الحفاظ على وتيرة منتظمة للحصة وضمان مشاركة جميع المتعلمين وعدم الانحراف عن الموضوع، وتوظيف أسئلة كثيرة وتغذية راجعة فورية لجذب انتباه المتعلمين.
-
الدعم والإسناد: توفير خرائط ذهنية وخطاطات وجداول تساعد المتعلم، وتقديم الدعم عند الحاجة ثم سحب الإسناد تدريجياً لتوجيه المتعلم نحو الاستقلالية.
-
الممارسة الموجهة المؤدية إلى الاستقلالية: تخصيص وقت مهم للتدريب تحت إشراف المدرس حتى يتقن المتعلم المهام، ثم الانتقال إلى الممارسة المستقلة مع استمرار المتابعة.
-
التغذية الراجعة: تقييم إجابات المتعلمين وتصحيحها بانتظام، ومطالبتهم بشرح منطق تفكيرهم، وتقديم تغذية راجعة فورية تساعد على تعديل الإجابات.
-
التقويم المستمر والتحقق من التحكم: متابعة مدى تحكم كل المتعلمين في التعلمات، ورصد مواطن التعثر وتقديم المساعدة، وعدم الانتقال إلى تعلمات جديدة حتى يتحقق التحكم لدى أغلب المتعلمين.
-
المراجعة والتثبيت: برمجة أنشطة للمراجعة الأسبوعية والشهرية داخل الفصل، وتنويع أساليب المراجعة لتسهيل تذكر المحتويات وعدم تراكم التعلمات دون توقفات منتظمة.
إعداد المنهاج وفق مبادئ التعليم الصريح
لتطبيق التعليم الصريح على مستوى المنهاج الدراسي، يجب اتخاذ عدة تدابير. تتضمن هذه التدابير إدارة الحمولة المعرفية من خلال تدقيق أهداف التعلم لكل مادة وتحديد الأفكار الرئيسة وبرمجة المحتوى المناسب لكل حصة، وإدارة التدرج عبر إعادة هيكلة البرنامج التعليمي بترتيب متدرج للأفكار وتحديد مستويات التحكم في نهاية كل مرحلة دراسية. كما يشمل الأمر تخطيط دعم منتظم عبر برمجة حصص أسبوعية للدعم والمراجعة، وتخطيط مراجعة التعلم بشكل دوري، وتوليف التعلمات بشكل تراكمي. وأخيراً، ينبغي هيكلة الممارسات بحيث يتم تفويض المسؤولية تدريجياً للمتعلمين من خلال التخطيط للتدريس الصريح للمهارات المعرفية والميتامعرفية، ووضع سيناريو مفصل للدرس وضبط زمن النمذجة وترك مساحة أكبر للممارسة الموجهة.
هيكلة الحصة وفق التعليم الصريح
أوضح العرض أن تنظيم الحصة الدراسية حسب التعليم الصريح يمر بمراحل متسلسلة:
-
النمذجة (الافتتاح): يتولى المدرس تقديم نموذج للأداء المطلوب عبر إرساء قواعد السلوك المنتظر، والتصريح بأهداف الحصة وبرنامجها، وتنشيط المستلزمات السابقة. يشرح المدرس المهمة خطوة بخطوة ويعرض كيفيات التفكير للوصول إلى الحل.
-
الممارسة الموجهة: يقوم المتعلمون بإنجاز مهمة مشابهة تحت إشراف المدرس، الذي يطرح أسئلة للتحقق من الفهم ويقدم المساعدة بالتذكير بالقواعد أو الخطوات، ثم يطلب من المتعلمين إتمام مهمة شبيهة باستقلالية نسبية مع استمرار المتابعة والتغذية الراجعة.
-
الممارسة المستقلة: ينتقل المتعلم إلى إنجاز المهمة بشكل مستقل بعد التأكد من تحكمه في التعلم، مع تمديد هذه المرحلة عبر الواجبات المنزلية لتعزيز الاستقلالية.
-
التفكر واختتام الحصة: يُدفع المتعلمون لبناء خلاصاتهم حول التعلمات، ويُحدد المدرس التدابير المزمع اتخاذها للتصحيح والمعالجة ويسجل مستوى تحقق الأهداف.
شروط النمذجة الفعالة
النمذجة تعد خطوة حاسمة في التعليم الصريح؛ فكلما كانت النمذجة فعالة ارتفعت نسبة تحكم المتعلمين خلال الحصة. من بين الشروط الرئيسية للنمذجة الجيدة:
-
اختيار مهمة محددة (نشاط أو تمرين) ومحاكاة تلميذ ينجز هذه المهمة مع التفكير بصوت عالٍ واستعراض الاستراتيجيات خطوة خطوة.
-
استخدام ضمير المتكلم «أنا» وطرح الأسئلة الاستراتيجية والإجابة عنها تدريجياً، وتوضيح الخطوات الواجب اتباعها.
-
اعتماد نبرة واضحة وتنويع النبرات للحفاظ على انتباه التلاميذ، واستعمال لغة بسيطة ومصطلحات واضحة.
-
القيام بمسح بصري لمجموع الفصل لالتقاط مؤشرات عدم الفهم أو فقدان التركيز، وتجنب التحدث بصوت رتيب أو إغراق النمذجة بمعلومات إضافية غير ضرورية.
خاتمة
ركز اليوم الأول من الدورة الوطنية للتكوين حول التعليم الصريح على وضع إطار عام للتكوين وتحديد أهدافه، وتقديم مفهوم التعليم الصريح وسياقه، واستعراض مبادئه الإثني عشر المستمدة من الأبحاث المعرفية والتربوية. كما تم التطرق إلى كيفية إعداد المنهاج وفق هذه المبادئ وهيكلة الحصص التعليمية لتشمل مراحل النمذجة والممارسة الموجهة والممارسة المستقلة والتفكر. يوفر هذا الأسلوب للمعلمين إطاراً عملياً لتدبير التعلمات بشكل منظم وواضح، ويضمن تعلماً متدرجاً وموجهاً ومدعوماً بتقويم مستمر وتغذية راجعة، ما يسهم في رفع جودة التعلمات وتحسين أداء التلاميذ في المدارس الريادية.
-
تعليقات
إرسال تعليق